محمد تقي فلسفي
لا يخفى أن مشكلة الشباب في إختيار العمل ليست تحديد ومعرفة الإستعداد الطبيعي ودراسة الأسس العلمية وتعلّم الفنون العملية فحسب،
بل إنهم قد يواجهون بعد تخرّجهم من الجامعات أو الثانويات موانع ومشاكل جمّة جديدة في طريق العمل قد تسدّ عليهم سبل الرقيّ والنجاح.
فلو افترضنا أن شاباً قد أعدّ نفسه دراسياً ليعمل في أحد المجالات الإجتماعية، وتوفّرت فيه جميع الشروط اللازمة، ودخل المجتمع وإذا به
يجد أن لا أماكن شاغرة له ليعمل في مجال تخصصه، طبيعي أن مثل هذا الشاب يتألم ويتأثر كثيراً، ويغضب أحياناً، ويبقى مستمرّاً في محاولته
للعثور على عمل يدخل ضمن إختصاصه، وهذه المشكلة تعتبر من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها جيل الشباب في الغرب.
مشكلة العثور على عمل:
"يقول "موريس دبس": إن الشاب الذي تعلّم مهنة ما أو تخصص بعد سنين طويلة من الجدّ والمثابرة في حقل ما، عندما يدخل إلى المجتمع بحثاً
عن عمل، يجد أن الجيل الذي سبقه قد احتلّ كل مجال للعمل، من هنا تنشأ خلافات قوية بين جيل الشباب وجيل الشيوخ وتستمر طوال فترةالكمال
الأولى".
ظاهرة الصناعات الآلية:
وثمة عامل آخر يقف سدّاً بوجه الشباب في بحثهم عن فرص للعمل ويحدّ من توفير فرص العمل لهم، ويجعل أحياناً حتى العاملين يفقدون أعمالهم،
وهذا العامل هو التحوّل الكبير في عالم التكنولوجيا والتطوّر السريع الذي تشهده صناعة المعدات الآلية.
فقد شهدت كافة الحقول الصناعية منذ بداية هذا القرن تحوّلات كبيرة أدت إلى اختراع وصناعة وترويج معدات غاية في الدقة والمهارة، وهذا
ما جعل كبريات المؤسسات الصناعية في العالم تستغني عن خدمات الكثير من الخبراء والمتخصصين لتعتمد في عملها على المعدات الآلية المتطورة.
إشراف الآلة على الآلة:
"ليس المقصود من الصناعة الآلية أن تقوم الآلة أو الماكنة بأداء جميع الأعمال أو الجزء الأكبر منها. ويمكن إعتبار تحقق هذا التطور الكبير
مرحلة من مراحل الثورة الصناعية حيث حلّت الآلة محل الأيدي العاملة، وما يميّز الصناعة الآلية عن الصناعة العادية (الكلاسيكية)، ليس فقط
قيام هذه الآلة بكافة الأعمال الصناعية، بل واشرافها على عمل الآلات الأخرى دون الحاجة إلى أيدٍ عاملة. ومن هنا قيل إن مفهوم الصناعات
الآلية هو إشراف الآلة على الآلة وبالتالي حذف الإنسان بشكل كامل أو شبه كامل من عملية الإنتاج الصناعي".
"لقد ساهمت الثورة الصناعية في إحلال الآلة محل اليد العاملة، وتطوّر الصناعات الآلية الذي يعتبره الكثير من المعنيين بأنه الثورة
الصناعية الثالثة قد أدّى إلى إحلال محل الذوق الفكري والمهارة اليدوية".
لقد شكّلت ظاهرة الصناعات الآلية طرقاً أفضل وأسرع في عملية الإنتاج، وهذا ما رحّب به أصحاب المؤسسات الصناعية الكبيرة، وقد أدى إستخدام
الآلات المتطورة والمعدات الآلية والتطوّر الذي طرأ على مسار الإنتاج الصناعي إلى حرمان عدد هائل من المتخصصين والعمال المهرة من ذوي
الخبرات الطويلة من أعمالهم، وبذلك يكون فصل جيد قد فتح أبوابه في الدول الصناعية، وظهرت مشكلة جديدة باسم البطالة التكنولوجية لتعمّ أرجاء العالم بعد توسّع الصناعات الآلية.
البطالة التكنولوجية:
"إن التقدم التكنولوجي يؤدي عادة إلى إنخفاض نسبة فرص العمل في كل وحدة إنتاجية، والآن وبعد حصول هذا التقدم في مجال التكنولوجيا
والصناعات الآلية وتصاعد ظاهرة البطالة بين العمال، علينا أن نراقب لنرى نسبة العمال الذين ستجتذبهم الصناعات الأخرى ومتى سيتم ذلك وأين"؟.
"لقد تم التوصل إلى نتيجة مفادها أن الحصول على إجابات للأسئلة الآنفة الذكر لا يمكن أن يتم عبر إستفتاء عام، لأن نتيجة الإستفتاء
تكون محصورة بالفترة ذاتها ولا يمكن إعتبارها شاملة لكل الفترات لما لكل منها من خصوصيات، وهذا ما دفع بمؤسسات الدراسات والأبحاث
العالمية إلى إستخدام طرق أخرى للتحقيق. وقد أعلنت إحدى المؤسسات التي أجرت تحقيقات حول تأثير التكنولوجيا على العمل عن نتيجة
تحقيقاتها بشأن أحد أنواع الصناعات، وكانت النتيجة على الشكل التالي:
خلال فترة التحقيق عثر 45% من العمال الذين كانوا يعانون من البطالة التكنولوجية على أعمال ومشاغل جديدة وثابتة، بينما لا يزال 55% منهم عاطلين عن العمل".
ففي عالم يتم فيه إقالة وطرد أعداد كبيرة من العمال من المؤسسات الصناعية الكبرى على أثر تشغيل المعدات الآلية، لا شك أن المتخصصين
والعاملين الجدد الذين ينوون البحث عن عمل من أجل تأمين لقمة العيش سيواجهون مشاكل جمّة وعقبات كبيرة ومتعددة.
وينبغي على الشاب الكفوء والنشيط أن لا يخشى تلك المشاكل والعقبات، وأن يسعى بكل عزم وإرادة في أشد الظروف قساوة للحصول على عمل
يتناسب وإستعداده الطبيعي، وأداء عمله على أفضل وجه من أجل تأمين لقمة عيش هنيئة.
المصدر: كتاب الشاب بين العقل والعاطفة
تحياتي